بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سوف أورد هنا طبيعة فهمي لتطابق السماوات السبع والأرضين السبع منطلقا من حقيقة أن القرآن يفسر بعضه البعض الآخر ويفسره كذلك أهل البيت عليهم السلام .. ومن إيماني أن القرآن بين مبين وأياته واضحات مبينات غير مبهمات وما علينا لفهمه كما هو إلا أن نصدقه بدون تردد وأن نعتمد في فهمه على كلمات أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين فيه .. وعلى نفس كلماته كذلك
الموضوع كما سيتضح يرتبط بشكل ما بالموضوع المعنون "حوار بين عقل كلي وعقل جزئي" والموجود في المنتدى تحت هذا الرابط
http://www.alhaydari.com/vb/showthread.php?133
من حيث أن تفسير تطابق تلك السماوات يعتمد في الأساس على الإعتقاد بأن الوجود بأكمله هو وجود
عقلي وأن تعريف المادة به هو قدر المشيئة وقضاء المشيئة وإمضاء المشيئة يعطي للفعل المعبر عن تلك
المشيئة صفة نطلق عليها إسم مادة ذات صفات كذائية وباختلاف الأفعال ستختلف أنواع المواد وستختلف
صورها كذلك .. وجميعها هي عقلية لا تشغل حيز ولا تحتاج إلى الحيز أو إلى المكان أصلا .. وبرغم
انطلاقي من هذه النظرة للمادة عموما فإن بحثي سينطلق أساسا من الآيات والروايات وبعض
الإستنتاجات العقلية .. بالإضافة طبعا إلى محاولة ضرب بعض الأمثلة لتوضيح الصورة بشكل أقرب
للتصور الذي عندي
طبعا ولتوضيح الهدف النهائي أو الصورة النهائية للسماوات والأرض والتي سأسعى لإثباتها معتمدا على
القرآن والسنة سأبتدئ بضرب مثل توضيحي يقرب بصورة كبيرة الصورة النهائية لتطابق السماوات السبعة في عقلي وعقيدتي .. وسأعتمد هنا كذلك أسلوب الحوار بين اثنين الثاني منهما هو أنا وهو المعاند أمّا الاول فهو من سيحاول أن يفهمني فكرته
الأول : سأحاول أن أبين لك نظرتي للسماوات السبع
الثاني : لو كنت أستطيع الفرار من هذه الورقة لفررت منها ولكن أين المفر
الأول : ولماذا؟
الثاني : لأنك تتكلم بطريقة وبأفكار غريبة من الصعب علي أن أقبلها ناهيك عن أن أهضمها
الأول : أأسف لكوني مضطر للحديث معك ولكوني لا أعرف أحدا غيرك من الممكن له أن يسمع كلامي ذلك مع علمي أنك لن تقبله لأنك متعلق بدينك الذي ورثته عن آبائك وأجدادك
الثاني : هو خير لي من معادلاتك الصعبة التي لا يقبلها عقل ولا دين
الأول : حسنا .. لن أعتبر نفسي أستاذا لك .. بل سأعتبرك معارضا لي وناقضا لما سأقوله لك .. ولكن أرجوك حاول أن تنقضه بدليل قرآني أو روائي أو عقلائي ولا تعترض علي بثوابت اكتسبتها من دينك الوراثي أو من عدم استحساناتك الكثيرة
الثاني : لك ذلك وما أظنك ستنفذ من ديني الذي تقول عنه وراثي وأدلته .. فهات ما عندك ولا تستثني
الأول : إتفقنا إذن .. سأبدء من حيث أريد أن أنتهي وذلك بضرب مثل من عندي لما أريد أن أثبته بالآية والرواية والعقل .... لكي تكون متابعا لي لما أريد أن أصل له أخيرا،
تعرف أن كل شيئ قد خلق من نور ذلك الذي ضـُرب له مثل بالقرآن الكريم حين قال عز من قال
((اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) طبعا أنت تدرك أن هذا النور ليس كذلك النور الذي نراه يسقط علينا من الشمس
الثاني : أسمعهم يقولون ذلك ولكن لا فهم لي .. أكمل
الأول : رغم ذلك سأستعمل نفس نور الشمس لتوضيح ما يدور بخلدي ... فأنت ترى أشعة الشمس الساقطة من السماء علينا
الثاني مقاطعا : نور الشمس لا يـُرى بنفسه ولكننا نرى ما يرتد منه من فوق الأسطح المادية التي تحيط بنا
الأول : أحسنت وهذا ما كنت أريد قوله ولكنك قاطعتني .. فأنت ترى أشعة الشمس الساقطة من السماء علينا حين يرتد بعضها من على الأسطح المختلفة من حولنا .. هذا الذي يرتد هو بعض ما كان منطوي ومختفي في نور الشمس الساقط منها علينا
الثاني : تريد أن تشير إلى أن نور الشمس يحوي داخله أحزمة ضوئية ستة وهي التي يمكننا أن نراها أذا حللنا نور الشمس بالمنشور؟
الأول : نعم هو ذاك .. فهي ستة حزم ضوئية بستة ألوان تكون بمجموعها نور الشمس .. أو أن نور الشمس هو من يحوي تلك الحزم الضوئية بداخله .. فهي ستة وهو مجموعهم جميعا وهو سابعهم .. الآن ما أريد أن أصل إليه هو أن تلك السماوات السبع هي عبارة عن ستة سماوات مطويات بسماء هي بمجموعهم سابعتها تماما كانطواء حزم النور الستة في نور الشمس الذي هو سابعهم وجامعهم
الثاني : ستة عوالم تجتمع في عالم واحد هو سابعهم؟
الأول : نعم هو كذلك تماما وحجم كل عالم منها يعادل حجم السابع أي أنها جميعها متساوية بالحجم
الثاني : وهل لديك من القرآن الكريم دليل يؤيد مدّعاك هذا؟
الأول : بالتأكيد عندي فخذ قوله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
فالأية تقول لك أن السابق من المخلوقات في الوجود على أي شيئ هو السَّمَاء التي استوى إليها بعد أن خلق بها الأرض وجميع ما فيها لنا فجعل تلك السماء الواحدة سبعة سماوات فيكون ترتيب الخلق حسب هذه الآية الكريمة أنّه:
أولا : خلق المكان أو أين الأين فقبلها لم يكن هناك من كان أو مكان ولا زمان .. وهي تلك السماء الأولى الفارغة من كل شيئ
ثانيا : ثم خلق فيها الأرض بزمان يطول أو يقصر والآية هذه ساكتة عن بقية الكواكب والنجوم فهل كانت حينها موجودة أو خلقت بعدها .. فالآية الكريمة بدأت بتبيان أنه تبارك وتعالى خلق لنا جميع ما في الأرض
ثالثا : وبعد ذلك قال "ثم" التي تدل على الترتيب فقال ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ أي أنه استوى إلى تلك السماء الواحده بعد أن انتهى من خلقه لنا جميع ما في الأرض
رابعا : فسواها سبعة سماوات أي أن السماء الواحدة صارت سبعة .. وهذا ما أشرت له بالمثل الذي ضربته لك قبل قليل .. أقصد مثل نور الشمس وألوان الطيف المنطوية به
الثاني : ولكن الأية لا تثبت أن تلك السماوات السبعة جميعها متساوية في الحجم ومتداخلة في ما بينها كتداخل ألوان الطيف في نور الشمس وانتشاره في جميع جنباته وحدوده بشكل متساوي ومنتظم .. فلماذا لا يكون تطابقها هو كما أعتقد بها في أنها متطابقة واحدة فوق أخرى .. تكون بها الثانية تفصل بين الأولى والثالثة .. والثالثة تفصل بين الرابعة والثانية .. والرابعة تفصل بين الخامسة والثالثة .. والسادسة تفصل بين السابعة والخامسة؟ .. فلماذا لا يكون التقسيم على هذا المنوال وليس كما تدّعي؟
الأول : أنت بالتأكيد لا تريد من آية كريمة واحدة أن تصف كل مراحل خلق السماوات والكيفية التي بها خلقت طبعا ما ذلك على الله بعزيز ولكن القابل وهم نحن ليست لدينا القدرة على فهم الفكرة وحتى لو فهمناها بالشكل الذي أصفه لك .. فسيكون من الصعب علينا أن نقبل هذا التصور لأن القبول به يعني أننا قبلنا أننا شبه أعدام وأننا مجرد نور ينبع من مصباح ..
ومتى ما انطفاء المصباح لأي سبب كان سننطفئ نحن بدورنا ونختفي وننعدم ونتلاشى .. وأن وجودنا مرتبط بوجود موجود آخر مخلوق مثلنا .. فالإنسان خلق وشعور الإستقلال والحرية يلازمه منذ أول ابتدائه لرحلته في الوجود ..
وبسبب ذلك الشعور القريب جدا من الإعتقاد الراسخ يكره أن يؤمن بأي فكرة تقول له أن وجودك ومشيئتك وبقائك موجود ومرتبط بوجود مخلوق آخر مثلك ..
قد يقبل منك أن تقول له وجودك مرتبط بالله لأن الله بالنسبة له شيئ مجهول وهو يرى نفسه معلوم فلا مانع عنده من تعلق المعلوم بالمجهول بكيفية يجهلها .. فهذا الوضع يحافظ له على استقلاليته ووجوده الإلهي المنفصل عن غيره حسب افتراضه المبني على جهله بكيفية ارتباطه بخالقه
الثاني : مهلا .. مهلا .. إنك تتكلم بكلام كبير وخطير رغم إنك لم تزل في بداية شرحك للفكرة التي لم أقتنع بشيئ مما قلته عنها بعد .. فرويدا رويدا ولا يأخذك الحماس وركز على توضيح الفكرة رجاءا وقل لي أولا هل يوجد عندك من الروايات عن أهل بيت العصمة ما يؤيد هذا المعنى؟
الأول : بالتأكيد يوجد عندي .. خذ هذه الرواية الشريفة وهي خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة يذكر فيها ابتداءَ خلق السماءِ والاَرض:
أَنْشَأَ الخَلْقَ إنْشَاءً، وَابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً، بِلاَ رَوِيَّةٍ أَجَالَهَا، وَلاَ تَجْرِبَةٍ اسْتَفَادَهَا، وَلاَ حَرَكَةٍ أَحْدَثَهَا، وَلاَهَمَامَةِ نَفْسٍ اظْطَرَبَ فِيهَا. أَحَالَ الْأَشيَاءَ لَأَُوْقَاتِهَا، وَلْأَمَ َيْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا، وَغَرَّزَ غَرائِزَهَا، وَأَلزَمَهَا أَشْبَاحَهَا، عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا، مُحِيطاً بِحُدُودِها وَانْتِهَائِهَا، عَارفاً بِقَرَائِنِها وَأَحْنَائِهَا . ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ فَتْقَ الْأَجْوَاءِ، وَشَقَّ الْأَرْجَاءِ، وَسَكَائِكَ الَهوَاءِ، فأَجْرَي فِيهَا مَاءً مُتَلاطِماً تَيَّارُهُ، مُتَراكِماً زَخَّارُهُ، حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ، وَالزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ، فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ، وَسَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ، وَقَرنَهَا إِلَى حَدِّهِ، الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِها فَتِيقٌ، وَالمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِيحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا، وَأَدَامَ مُرَبَّهَا، وَأَعْصَفَ مَجْرَاها، وَأَبْعَدَ مَنْشَاهَا، فَأَمَرَها بِتَصْفِيقِ المَاءِ الزَّخَّارِ، وَإِثَارَةِ مَوْجِ البِحَارِ، فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ السِّقَاءِ، وَعَصَفَتْ بهِ عَصْفَهَا بِالفَضَاءِ، تَرُدُّ أَوَّلَهُ عَلَى آخِرِهِ، وَسَاجِيَهُ عَلَى مَائِرِهِ، حَتَّى عَبَّ عُبَابُهُ، وَرَمَى بِالزَّبَدِ رُكَامُهُ، فَرَفَعَهُ فِي هَوَاءٍ مُنْفَتِقٍ، وَجَوٍّ مُنْفَهِقٍ، فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَموَاتٍ، جَعَلَ سُفْلاَهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً، وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً، وَسَمْكاً مَرْفُوعاً، بِغَيْر عَمَدٍ يَدْعَمُهَا، وَلا دِسَارٍ يَنْظِمُها ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزينَةِ الكَوَاكِبِ، وَضِياءِ الثَّوَاقِبِ، وَأَجْرَى فِيها سِرَاجاً مُسْتَطِيراً، وَ قَمَراً مُنِيراً، في فَلَكٍ دَائِرٍ، وَسَقْفٍ سَائِرٍ، وَرَقِيمٍ مَائِرٍ.
في اليوم التالي
الثاني : لقد أخذت كلماتك معي بالأمس إلى البيت وقمت بمراجعة بسيطة لكلمات بعض المفسرين فلم أجد بينهم من يذهب إلى ما تذهب إليه من طبيعة تطابق السماوات
الأول : وهل وجدت بينهم اتفاق حول نظرة واحدة للسماوات والأرض تفسر تطابقها؟
الثاني : كلا لم أجد ذلك الإتفاق ووجدت مكانه اختلاف كبير بالرؤية والتفسير
الأول : لقد قمت قبلك بهذا البحث ولم أجد عندهم ما يشبع فضولي ورغبتي بفهم كيفية تطابق السماوات والأرض .. ولكن ما لفت نظري أن الروايات الشريفة التي تتحدث عن تلك السماوات وأغلبها من روايات معراج نبينا صلوات الله عليه وآله أجمعين إلى تلك السماوات فلاحظت أن جميع تلك الروايات سواء في روايات المعراج أو في غيرها تتحدث عن أمور نعدّها أو نعتبرها من الغيبيات مثل عالم الجنة والنار وعالم الملائكة وعالم المثال وهناك حيث دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى .. نعم لاحظت أن جميع تلك العوالم هي عوالم غيبية يستحيل تفسيرها بقوانين المادة التي نعرفها ..
ولكن عندما ذهبت إلى التفاسير وجدتها تحاول أن تفسر طبيعة تلك السماوات بتفسيرات مادية كما تفضلت بالأمس بفهمك لكيفية التطابق فوجّهته توجيه مادي يحتاج إلى حدّ واضح يفصل بين الأشياء .. أقول نفس الإشكال الذي وقعت أنت به وقعوا هم به كذلك ولعل ما وقعت به أنت نابع من نظرتهم للتطابق بالأساس ..
فالروايات تقول أن تلك السماوات من عالم الغيب والتفسيرات تنطلق من أنها من عالم المادة والحضور من حيث أنها فسّرتها تفسيرات مادية .. وهذا ما دفعني للبحث في اتجاه آخر غير الإتجاه المطروق حتى اليوم .. ينطلق من وجوب أن يكون التفسير لما هو من الغيب يناسب غيبيته وغير ملتفت بالمرة إلى المادة وشئون المادة ..
ولعل الإشكال الرئيس الذي حدى بالجميع إلى التفسيرات المادية هو محاولة تفسيرهم لمفهوم اليوم بتفسير مادي فأسقطوا مفهوم عقولنا في عالم المادة للفظ "يوم" على لفظ "يوم" الوارد في الآيات التي تتحدث عن السماوات وكيفية خلقها فاختلفت مسالكهم حينئذ
الثاني : كأنني لاحظت ذلك أيضا في كلماتهم
الأول : المفروض أنك من يعارضني ويعاندي لا أن تتفق معي طوال الوقت
الثاني : سأحاول ذلك ولكن كما تعرف أنا وأنت واحد فربما لن أستطيع الإشكال عليك كما تريد وتتمنى .. ولكن ربما يفعل ذلك أحد ممن يقرأون هذه السطور .. والآن قل لي كيف خرجت من هذا الإشكال وبما فسرت لفظ الأيام وعلى أي أساس فسرته؟
الأول : أهم قاعدة في هذا التفسير هو أن تصدق كلمات الله ولا تشك بها أبدا .. فالإنسان عندما تصعب عليه فكرة ما في القرآن ولا يستطيع أن يفسرها يصعب عليه أن يقول أنني صعب علي فهمها أو أنها لا تطابق ما أعتقده وعليه فأنا مخطئ ويجب أن أذعن لما يقوله القرآن .. فتراه لصعوبة ذلك عليه يحاول أن يلوي معاني القرآن الكريم لتطابق فهمه ومعتقده هو ..
ولذلك أخذت على نفسي أن أتبع النهج الذي سلكه أهل البيت صلوات الله وسلامه الله عليهم أجمعين وأمرونا أن ننهجه كذلك حينما نتدبر آيات القرآن الكريم .. فالقرآن لا يفسره ويبين معانيه إلا نفس القرآن الكريم وأهل البيت صلوات الله وسلامه الله عليهم أجمعين كذلك ..
فالقرآن يفسر بعضه وأهل البيت يفسرونه أيضا وبنفس المستوى .. وهنا سأورد لك رواية من كلام أمير المؤمنين سلام الله عليه .. ورواية أخرى من كلام رسولنا صلى الله عليه وآله في تفسير القرآن ..
أما الرواية عن الرسول فهي :
جاء في أمالي الشيخ بإسناده عن عبد الله بن عباس و جابر بن عبد الله في حديث طويل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أيام الله نعماؤه و بلاؤه و هو مثلاته سبحانه
فالرسول صلى الله علي وآله رد معنى الأيام في الآية إلى حالة أو حالات .. فحالة نعمة وحالة بلاء
أما الرواية عن أمير المؤمنين سلام الله عليه فتقول:
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك، فان كان لك فلا تبطر، وإن كان عليك فاصبر، فكلاهما عنك سينحسر
وهذه الرواية تقول كذلك أن الإمام إستعمل كذلك لفظ "اليوم" فيها ويقصد منه معنى الحال ومنه سأعتمد هذا المعنى للفظ "يوم" ومضاعفاته في الآيات التي تتكلم عن السماوات ولنرى ماذا سينكشف لنا من المعاني حينها أو لنقل سنرى حينها أي معاني جديدة يمكننا أن نفترضها في تفسير تلك الآيات الكريمة
الثاني : مهلا مهلا .. تريد أن تبني كلاما ونظرية على معنى استحضرته من موضعين فقط؟
الأول : كلا ما أريد قوله أن المعنى الحقيقي لكلمة يوم الوارد في القرآن الكريم في بعض مواضعه لم يكن يوما هو اليوم الزمني المحدود بل إنه منذ البداية كان المقصود به هو معنى الحال .. هذا المعنى الذي لم يلتفت إليه من أراد أن يفسر السماوات والأرض بالتفسير المادي لها كلها فقال أنه يوم له أول وله آخر سواء طال أو قصر هذا اليوم
الثاني : أكمل
الأول : خذ هذه الأية الكريمة وانظر كيف سيتبدل معناها إن قلنا أن المراد باليوم فيها هو الحال
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ () فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ
وحيث أننا كنا قد قلنا أن السماء بمعنى عالم فسيكون معنى الأية بهذا الشكل .. ثم استوى للسماء الأولى الكبيرة وللأرض التي فيها فقضاهن سبعة عوالم في حالين وقضى في كل عالم منها أمره
الأن أصبح لدينا معنى جديد للأية الكريمة .. سبعة عوالم في حالين .. فهل يوجد في كتاب الله ما يشير لتقسيم الوجود إلى حالتين وله علاقة بهذا المعنى الجديد الذي وصلنا له؟ إستمع لهذه الآيات وقل لي رأيك بها:
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ
وقوله تعالى
قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
وقوله تعالى
قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ () سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ () قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ () يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ () سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ () بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ () مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ () عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
وقوله تعالى
قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
وقوله تعالى
جميع هذه الآيات الكريمة تبين أنه يوجد علاقة بين خلق العوالم بأراضيها وبين علم الغيب والشهادة فما هو وجه الملازمة هنا بينهما ؟ ولقد جاء لفظ عالم الغيب والشهادة في ستة مواضع غير هذه المواضع لو تفكرنا بها قليلا سنجد نفس التلازم بين الخلق وشؤن الخلق وبين العلم بالغيب والشهادة أيضا ... فجميعها تشير إلى أنها سبعة عوالم في حالتين ... حالة غيب وحالة شهادة
أو يوم غيب ويوم شهادة
أما بالنسبة للتلازم بين حالة العوالم السبعة وحالة الغيب وحالة الشهادة فلو دققنا النظر سنجد أن تلك العوالم هي بالفعل تتردد فيما بينها بين حالتين وهما حالة الغيب وحالة الشهادة
فمن يعيش منا اليوم هنا هو يعيش حالة شهادته بينما بقية العوالم التي تحدثت عنها روايات المعراج ستكون بالنسبة له حالة غيب .. أي أن عالم النار غيب وعالم الملائكة كذلك غيب وعالم الجنة أيضا غيب
ومن يوجد الآن في عالم الجنة سيعيشه بحال الشهادة بينما ستكون له بقية العوالم حالة غيب ومن يعيش الآن بعالم النار هو يعيشه بحالة الشهود وستكون له بقية العوالم حالة غيب
وهكذا قس علاقة كل عالم ببقية العوالم ستجد أن حالتي الغيب والشهادة تحكم هذه العلاقة .. والله تبارك وتعالى يقول أنني أعلم بحال جميع تلك العوالم سواء ما كان مما تعتبرونه أنتم غيب أم كان مما تعتبرونه شهادة فأنا أعلم به جميعه وبكل تفاصيله فهي ((جميع العوالم)) بالنسبة لي شهادة
الأن نحاول أن نجد ذكر تقسيم العوالم إلى حالين في القرآن الكريم من خلال هذه الأية الكريمة :
وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ
وقوله تعالى
أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ
وقوله تعالى
قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ () سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ () قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
وقوله تعالى
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ () إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ () فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَوهنا نرى أيضا ترابط وتلازم بين بين خلق العوالم ووصفها بالملكوت والملك وهما حالتان أيضا
وسنلاحظ الحالين هنا أيضا
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
وهما حالة فعل الخلق وحالة فعل الأمر
يتبع إن شاء الله
تعليق